رصد الانتهاكات

رفض تسييس منابر الحرمين وتحويل خطبة عرفة إلى منصة دعاية سياسية

عشية بدء موسم الحج للعام الجاري، تتابع “الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين” بقلق بالغ استمرار السلطات السعودية في فرض خطاب سياسي أحادي على منابر الحرمين الشريفين، وخطبة عرفة على وجه الخصوص، ما يشكل انتهاكًا صارخًا لقدسية الأماكن والشعائر الإسلامية، وتجاوزًا للمقاصد الشرعية التي تحكم عبادة الحج وتجمع الأمة الإسلامية حولها.

لقد باتت منابر الحرمين، التي يفترض أن تكون منارات للهداية الجامعة وتذكيرًا بقيم الإسلام في التوحيد والتقوى والعدالة والرحمة، رهينة خطاب سلطوي موجّه، يُستغل لتبييض سياسات الدولة وتسويق سرديتها أمام العالم الإسلامي.

فخُطَب الحرم المكي والنبوي، وخطبة يوم عرفة، لم تعد تعكس التنوع الثقافي والفقهي للأمة، ولا تحمل مضامين شرعية جامعة، بل صارت أداة سياسية منحازة تخدم أجندات النظام السعودي وتغفل عن قضايا المسلمين الجوهرية، بل وتُقصي الأصوات التي تطالب بالإصلاح أو تستنكر الظلم والعدوان.

إن فرض خطاب رسمي واحد على ملايين الحجاج والمعتمرين من مختلف الجنسيات والمذاهب والثقافات، يتنافى مع الطبيعة الجامعة لموسم الحج الذي يفترض أن يكون مظهرًا للوحدة الإسلامية والتنوع المشروع، لا منصة لاحتكار الدين والوصاية عليه.

والأسوأ من ذلك، أن هذا التوظيف السياسي يتم في ظل تجاهل تام للمآسي التي يعانيها المسلمون في مناطق عدة من العالم، واستخدام لغة مفرغة من أي مواقف أخلاقية تجاه العدوان والاحتلال والاستبداد، في وقت يتعرض فيه المسجد الأقصى لانتهاكات يومية، ويتعرض ملايين المسلمين في غزة والضفة الغربية لجرائم حرب موثقة.

وفيما تُروّج السلطات السعودية لروايات النجاح والتنظيم المحكم لمواسم الحج والعمرة، تغيب الحقيقة خلف جدران القمع والمنع والتمييز. إذ لا تزال الاعتقالات التعسفية تطال دعاة ومصلحين وعلماء دين، لمجرد تعبيرهم عن رأي أو موقف مخالف.

كما تُمارس السلطات قيودًا تعسفية على مشاركة حجاج من بلدان معينة، وتفرض شروطًا أمنية وسياسية على أداء الشعائر، في انتهاك واضح لمبدأ المساواة في الوصول إلى الأماكن المقدسة.

إن الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين تجدد رفضها لتحويل شعائر الحج إلى أداة بيد النظام السعودي لتعزيز شرعيته السياسية، وتدين تسييس خطب الحرمين الشريفين وتحويلها إلى أدوات دعائية. وتؤكد أن هذه الممارسات تمسّ بحرمة الزمان والمكان، وتستدعي وقفة جادة من الأمة الإسلامية ومؤسساتها المستقلة، لإعادة الاعتبار لمبدأ إشراف الأمة على شؤونها الدينية ومقدساتها.

وتطالب الهيئة بتدويل الإشراف على إدارة الحرمين الشريفين، بما يضمن احترام قدسية الشعائر، وحماية حق كل مسلم في أداء المناسك دون تمييز أو استغلال سياسي، وتحقيق التوازن بين متطلبات التنظيم وحقوق الإنسان وحرية العبادة. وإن حماية قدسية الحرمين مسؤولية جماعية، لا ينبغي أن تُختزل في إرادة سياسية لدولة واحدة مهما كانت إمكانياتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى