ينبغي على السعودية التركيز على توفير الخدمات الطبية، وحماية أرواح الحجاج

تحذر الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين، من مخاطر تكرار ما حدث خلال موسم الحج العام الماضي من كارثة إنسانية أسفرت عن وفاة أكثر من 1400 حاج، وذلك بسبب الإهمال والتقصير الواضح في توفير الرعاية الصحية والخدمات الطبية الأساسية، والتي كان من المفترض أن تكون أولى أولويات السلطات السعودية.
تؤكد الهيئة أن كارثة الحج في العام الماضي أظهرت أن النظام السعودي لا يزال مستمرًا في إهمال الأرواح البشرية، حيث تركزت جهوده بشكل رئيسي على ضبط الشعارات والتقيد الصارم في تنظيم الحشود، مع تجاهل تام لجوانب أكثر أهمية، مثل توفير الخدمات الإسعافية والطبية اللازمة لإنقاذ حياة الحجاج في ظل الظروف الصعبة.
وتنبه الهيئة إلى أن منطقة مشعر منى، التي شهدت أكبر الحوادث، كانت تفتقر إلى بنية طبية قوية قادرة على التعامل مع الحشود الضخمة والمتطلبات الصحية التي تفرضها حرارة الصيف الحارقة.
لقد كانت تلك الحادثة نقطة تحول بالنسبة للكثيرين في المنطقة والعالم، حيث أثبتت عدم قدرة السلطات السعودية على إدارة مثل هذا الحدث الكبير بالشكل المطلوب. ففي الوقت الذي كانت الحكومة تركز فيه على ملاحقة الحجاج غير المصرح لهم وتضييق الخناق على من يرفعون شعارات غير مرغوب فيها أو يتحدثون عن قضايا سياسية ودينية تتنافى مع توجهاتها، كانت أرواح الحجاج في خطر شديد.
إذ أن آلاف الجنود والضباط تم نشرهم للسيطرة على الحشود، بينما كانت سيارات الإسعاف والمرافق الصحية التي كان يجب أن تكون متواجدة بكثرة في مناطق الحج، غائبة أو غير مجهزة بالشكل الكافي.
تلك الجهود الأمنية لم تكن في محلها، فهي لم تؤدِّ إلى الحفاظ على سلامة الحجاج أو حمايتهم، بل على العكس، أظهرت الفشل في إدارة الحشود وتأمين بيئة آمنة. وهذا الإهمال المتعمد يعكس بشكل جليّ تفضيل النظام السعودي للسيطرة السياسية والإعلامية على المسائل الإنسانية العاجلة التي تهدد حياة الحجاج.
ورغم هذه الكارثة، يثير القلق أن السلطات السعودية لم تتخذ خطوات ملموسة لتحسين الوضع في هذا الموسم، بل إن النهج نفسه يبدو مستمرًا. فالتركيز على السيطرة الأمنية على الحجاج في ظل غياب الاستعدادات الطبية والصحية يثير المخاوف من وقوع كارثة أخرى.
كما أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أظهرت في السنوات الأخيرة تزايد حالات الانتهاكات للحقوق المدنية والسياسية للحجاج، فيما يطالب البعض بحقهم في التعبير عن آرائهم بشكل سلمي خلال أداء مناسكهم.
تستمر الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين في مطالبة السلطات السعودية بتغيير استراتيجياتها في تنظيم الحج، والتوقف عن استخدام إدارة الحج كأداة لتكريس السيطرة السياسية على الحجاج والمصلين.
من الضروري أن تقوم السلطات السعودية بالتركيز على توفير الخدمات الطبية الأساسية، بما في ذلك تزويد الحجاج بالإسعافات الأولية، وتوفير عدد كافٍ من سيارات الإسعاف، والتأكد من جاهزية المستشفيات والمرافق الطبية لاستقبال الحالات الطارئة بشكل فوري.
كما أننا نطالب النظام السعودي بتوفير آليات متكاملة لضمان سلامة الحجاج في مواجهة الظروف القاسية التي يمكن أن تنشأ خلال موسم الحج، بما في ذلك التحكم الفعال في أعداد الحجاج، وتوفير أماكن ملائمة للراحة، وتطبيق إجراءات صحية صارمة، خاصة في ظل الظروف المناخية الحارة التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة أعداد المصابين بحالات الإرهاق والإجهاد الحراري.
إن فقدان أرواح الحجاج نتيجة لهذه الإخفاقات ليس مجرد حادث عابر، بل هو نتيجة لإدارة فاشلة تضع اعتبارات الأمن والسيطرة فوق الاعتبارات الإنسانية.
تشدد الهيئة أن على السلطات السعودية أن تتحمل مسؤولياتها بشكل كامل وأن تلتزم بتوفير بيئة آمنة لجميع الحجاج، بعيدًا عن أية ضغوط سياسية أو أمنية. فقد ثبت أن مسؤولية إنقاذ الأرواح وحماية الحجاج هي أولوية لا يمكن التنازل عنها تحت أي ظرف من الظروف.
إن الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحكومة السعودية لتغيير نهجها في إدارة الحج. كما ندعو المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية إلى تكثيف جهودها لمراقبة الوضع في موسم الحج المقبل،
والتأكد من توفير كافة احتياجات الحجاج، وخاصة الخدمات الصحية، لضمان عدم تكرار مثل هذه الكوارث في المستقبل.